
جولة في مصانع التطريز
لمحة تاريخية عن فن التطريز:
فن التطريز من الحرف الشعبية التي بدأت حتى قبل ظهور عملية الحياكة على الأقمشة، حيث تداولته معظم الحضارات القديمة في الصين والرومان وآسيا ومصر وبلاد الشام والرافدين والعديد من الدول العريقة، ومنذ ظهور الحضارة الإسلامية قد أبدع المطرزون في خلق أنواع عديدة ومختلفة من المطرزات، فكان التطريز يُستخدم لإضافة لمسة جمالية ويزيد من أناقة الملابس والمفارش والستائر ولم تكن مجالس كبراء القوم وعليته تخلوا من هذه اللمسات أبداً.
وفي بداياته كان التطريز على الملابس يخص أزياء الخلفاء والأمراء والملوك ومن كان له مكانة مرموقة، فكانت أزياءهم وملابسهم تتميز عن ملابس غيرهم العادية ولها جمالها الخاص ، ولم يقتصر التطريز على الملابس الخارجية فحسب بل كانت جميع الملابس الداخلية والخارجية المميزة تتزين بالتطريز والنقشات المختلفة، وكانت بعض الملابس يتم تطريزها بخيوط الذهب الخالص والفضة لتدل على مكانة لابسها.
وكانت الأزياء تحمل صور حيوانات كثيرة وكتابات مميزة لتدل على مكان الصنع وتتبنى ثقافة هذا المكان، كما تطور فن التطريز في الحضارات العثمانية والمملوكية وتعددت طرق التطريز في هذه الحضارات بشكل كبير، وتميزت هذه الدول بالملابس النسائية الرسمية التي تكون مطرزة بالذهب والفضة التي كانت تعد اللبس الأساسي لديهم، حتى تطورت الطريقة العثمانية على كافة المطرزات الأخرى.
وفي عصر النهضة أصبح التطريز يتطور بشكل أكبر وظهر ما يُسمى التطريز الريفي الذي ينافس العديد من أنواع التطريز من حيث الشكل واللون المخصص له بالطريقة الصحيحة.
أما التطريز الفلسطيني الذي نتبناه في السندس، فهو مكون أساسي وهام في حياة المرأة الفلسطينية، فكانت تستعمله في تزيين أثوابها بشكل رئيسي إضافة إلى عدد كبير من حاجات البيت والاكسسوارات كالمفارش والوسائد والمحافظ وغيرها، مستوحية رسوماتها وزخرفتها وألوانها من طبيعة بلادها وبيئتها المحلية، لذلك فقد كانت لكل منطقة ومدينة من مدن فلسطين طريقة خاصة في التطريز وتنسيق الألوان والرسومات.
ولا يمكن فصل التطريز الفلسطيني عن الفلكلور الفلسطيني الذي ورثته المرأة الفلسطينية ونقلته إلى بناتها وأحفادها على مر العصور، إذ يرجع أصوله إلى عهد الكنعانيين كما تشير الآثار. وقد خضع التطريز برسوماته وأنواعه لتغيرات أساسية مع مرور الزمن؛ إذ نجد في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن الأنماط والرسومات التطريزية كانت هندسية الشكل في المقام الأول ثم تسربت الرسومات الغربية مثل الأزهار والطيور والحيوانات إلى أثواب النساء التقليدية.
تاريخ التطريز الآلي:
بعد أن أصبح فن التطريز حرفة يتداولها الكثير من المختصين بالتطريز، وكذلك مارستها ربات البيوت بشكل كبير في فلسطين، فكانوا يقضون الأسابيع والأشهر العديدة لإنهاء ثوب فلسطيني مطرز بالنقشات الفلاحية؛ قام الحرفيين بتطوير أعمالهم من الأشغال الخاصة بالتطريز وحاولوا قدر المستطاع أن يكون التطريز أنيق بدرجة كبيرة، وهذا الأمر حفز العديد من الحرفيين أن يتقنوا عملية تطريزهم ويطوروها بشكل أكبر؛ وذلك لإنتاج موديلات جديدة ومتعددة وترويجها وبيعها والربح منها.
وكان لا بد من وجود خيارات تسهل عملهم وتساعدهم على هذه المهنة فتواجدت آلات التطريز الإلكترونية، ليتمكنوا من إنتاج كميات تناسب الطلب العالي وبدقة متناهية، وأول الشركات التي قامت بصناعة آلات التطريز هي شركة تاجيما في عام 1964 م.
وحتى في التطريز الآلي، تكون التقنيات المستخدمة والغرز فريدة في كل منطقة جغرافية وتختلف من منطقة لأخرى، وإن تشابهت القطع فإن اختلاف الأقمشة وتنوعها كفيل بتوضيح الاختلاف، فكل الثقافات تحتوي على تقاليد خاصة بالتطريز، فالثقافة الصينية مثلاً تختلف نظرتها للتطريز عن الثقافة الإسلامية. فلا بد من اختلاف التقنيات والأقمشة لتتناسب مع كل منطقة وثقافة.
أقسام المصانع الخاصة بالتطريز:
- قسم المستودع:
يحتوي هذا القسم على الأدوات والخامات المطلوبة للتصنيع والإنتاج كالأقمشة والخيوط والأزرار والسحابات والشرائط وأدوات التفصيل والقياس، بالإضافة إلى ذلك فهو يحتوي على قسم خاص بالقطع الجاهزة التي سبق انتاجها.
- قسم التصميم:
يضم مراحل الإنتاج وأولها مرحلة التصميم، إذ يقومون بتصميم الموديلات وعمل الباترون الخاص بكل موديل، وابتكار التصميم الزخرفي التي سيتم تطريزه على القماش، ومن ثم يقوم قسم التصميم بتحويل هذا التصميم من الورق إلى تطريز آلي ليتم نقشه على القماش، ويتم اختيار شكل الغرز المطلوب تطريزها وتحديد أنواعها وألوان الخيوط ثم يتم إدخال هذا التصميم إلى ماكينة التطريز.
- قسم القص:
في هذا القسم يتم التأكد من خلو القماش المستخدم من أي عيوب انتاجية، ومطابقته حسب الألوان والنوع الذي تم اختيارهم في عملية التصميم والتأكد من مناسبته للتطريز المراد وضعه عليه، ومن ثم يتم رص طبقات عديدة من القماش فوق بعضها وفقا للكميات المراد انتاجها، ثم يتم قص القماش وتحويله إلى الأجزاء اللازمة لإنتاج الثوب والملابس الجاهزة، وهي أجزاء الباترون الذي تم تصميمه سابقاً في مرحلة التصميم.
- قسم التطريز:
إن ماكينات التطريز الآلي تمثل عنصراً مهماً في الطاقة الإنتاجية داخل المنشأة وهي تشهد تطوراً واضحاً وتتنوع آلات ومعدات التطريز الآلي من حيث الوظيفة التي تؤديها والشركات المنتجة وتوجد العديد من الماركات التجارية الموجودة في السوق، ويمكن تصنيف ماكينات التطريز الآلي إلى أنواع مختلفة حسب شكل الماكينة وعدد الخيوط والإبر المستخدمة.
- قسم الحياكة:
صالة توضع فيها ماكينات الحياكة حسب نوع القطع المراد عملها، ويفضل أن تكون الآلات متشابهة لتمتلك سرعة واحدة حتى لا تتعطل العملية، وتتراكم بعض الأجزاء في انتظار الانتهاء من القطع الأولى وحياكتها، وبالطبع فإن هناك عوامل تؤثر في عملية الحياكة وهي الماكينات ذاتها، والعامل الذي يقوم بالحياكة، وخيوط الحياكة التي يجب أن تكون ذات جودة عالية لتساعد في الانتاج.
- قسم التشطيب:
وينقسم هذا القسم إلى مرحلتين، الأولى هي مرحلة التجهيز ويكون ذلك باستخدام الأدوات اللازمة للكي للتخلص من أي كرمشة والتأكد من خروج المنتج بالصورة المطلوبة دون أي عيوب انتاجية،
والمرحلة الثانية هي مرحلة التغليف والتعبئة، ويكون ذلك باستخدام نوعيات التغليف ذات المستوى المرتفع، لتتناسب مع جودة القطع المنتجة.
- مراحل التطريز الآلي:
- غرزة التطريز الآلي
تتعدد غرز التطريز الآلي التي تحتويها برامج التطريز الأصلية، كما تختلف عملية استعمالها حسب شكل الموديل المطلوب عملية عرضه بالطريقة الصحيحة، وكذلك يكون لها غرز خاصة بها عند عملية تطريزها على القماش الخاص بها، حيث أن لكل نوع من القماش غرزة تطريز خاصة به؛ وذلك يعود إلى حجم الغرزة ونوعية القماش المستعملة في عملية التطريز الآلي بالطريقة الصحيحة.
- خيوط التطريز الآلي
تعد خيوط التطريز الآلي من أهم العناصر الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على جودة المنتج وكذلك كفاءة المنتج، فيجب أن نختار الخيوط السليمة والجيدة وكذلك أن نختار الخيوط المناسبة بشكل كبير لعملية التطريز الآلي فعند اختيار خيوط ذات كفاءة عالية فانه ينعكس بشكل جيد على قطعة القماش التي يتم عليها التطريز، ومن خلال هذه الطريقة نتعرف على أهم الخصائص المطلوبة والوظائف التي يقوم بها الخيط للقطعة التي يتم عملية تطريزها، وكذلك لجودة المنتج تحت ظروف طريقة ارتداءها وبالإضافة إلى شكل القطعة ومن، ثم طريقة تأثيره على شكل الجلد الصناعي المطرز بالطريقة الصحيحة.
- إبر ماكينة التطريز الآلي
يجب الإتقان في عملية اختيار إبر ماكينة التطريز الآلي بالطريقة المناسبة لماكينة التطريز الخاصة بها وكذلك اختيار الإبر المناسبة تعتبر من أهم العناصر الضرورية لإتمام عملية التطريز بالشكل الجيد، وعلى الرغم من أنها صغيرة الحجم في حالة لم تتم عملية مقارنتها بعناصر الماكينة الأخرى إلا أن لها تأثير قوي ومباشر في نفس الوقت في عملية التطريز التي نقوم بها بالطريقة الصحيحة، كما تؤثر أيضاً على نوع الغرزة المضافة والناتجة على القماش والتي تسبب في عملية تلف الخامة التي قمنا بعملية تطريزها أو كلاهما فيجب في هذه الحالة اختيار المواصفات بشكل دقيق جداً للإبرة المخصصة في عملية التطريز الآلي.
ومن الضروري جداً أن تتلاءم الإبرة مع كافة الخصائص المختلفة للقماش سواء كانت أقمشة منسوجة أو أقمشة غير منسوجة أو أقمشة جلود أو أقمشة تريكو وغيرها الكثير من أنواع الأقمشة الخاصة بالتطريز مع وضع بعين الاعتبار طبيعة تركيب القماش النسجي على الأقمشة بشكل متقن، وكذلك لا بد من مراعاة طريقة اختيار نمرة الإبرة الملائمة لنمرة خيط التطريز المستعمل؛ وذلك لعملية إنتاج قطعة التطريز بالطريقة الصحيحة وكذلك أن تكون خالية من كافة العيوب أثناء عملية عرض القطعة بالشكل الجميل.
وبعد أن يتم تفصيل الثوب وخياطته والتأكد من تفاصيل التطريز وكل هذه الخطوات أعلاه، يأتي دورنا في السندس، لإيصالكم لهذه القطع التراثية وتوصيلها لكل محبينها في الخارج والداخل، هذه القطع التي هي محور تراثنا وفلوكلورنا الشعبي في فلسطين، فتذكروا هذه الخطوات في المرات القادمة التي يصلكم بها ثوب فلسطيني من أثواب السندس، واشعروا بكم الحب الذي ينتابنا لكم ولفلسطين ونحن نصنع لكم هذه الأثواب.
>