
الشماغ الأردني؛ تاريخه وتهديبه
يعود تاريخ لبس الشماغ – كما يطلق عليه في شمال الجزيرة العربية والأردن والعراق – إلى حضارات بلاد الرافدين الموجودة ما بين نهري دجلة والفرات قديماً، حيث وردت كلمة شماغ في اللغة السومرية، وهي تتكون من مقطعين “اش ماخ” بمعنى غطاء الرأس، وقد تجد من يشكك بعروبة هذا الشماغ فيقول بأن أصله من البريطانيين، بعد أن قدموه للعرب عندما جاؤوا للجزيرة العربية، لكن هذه الأكاذيب لا يمكن أن تصمد أمام وجه الحقيقة، لأن الشماغ يعود لآلاف السنين وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الحياة الصحراوية التي عاشها أجدادنا منذ القدم كما ذكرنا، وذلك قبل مجيء البريطانيين بمئات السنين، كما كان يستخدمه الطوارق الذين يعيشون في المغرب العربي لحمايتهم من الرياح الرملية وأشعة الشمس.
والشماغ الأردني رمز عريق عميق من رموز الهوية الوطنية الأردنية، وهو رمز الشرف والعزة يعود تاريخه إلى أكثر من 3500 عام قد خلت، وكانت المملكة الأردنية الأدومية والمملكة الأردنية المؤابية كلاهما قد استخدما هذه الألوان في راياتهم وأعلامهم.
ويقال أن الشماغ كلمة مشتقة من الشماخ وهي بلدة من قرى الشوبك كانت تُصنع بها أغطية الرأس قديماً والمعروفة بالشماغات، وكانوا يصنعون الشماغ من الحرير المستخرج من دودة القز، وظل الأردنيون يعتزون بلباسه لكونه رمزاً للشموخ الإباء، ويقال أن مملكة أدوم الأردنية كانت تصدر هذه الأغطية المصنوعة في بلدة شماخ الشوبك إلى الخارج فكان السومريون يستوردون الشماغات من أدوم أيضاً ودخلت هذه الكلمة إلى لغتهم ليطلقوا على أغطية الرأس المصنوعة في بلدة شماخ نفس كلمة شماخ (اش ماخ).
صفات الشماغ واستخداماته:
ومن المرجح لدى الباحثين في الملابس التقليدية أن تكون أنماط توزيع الألوان على الشماغ تحاكي شباك الصيد أو سنابل القمح، وقد تمكن الشماغ من الصمود منذ تلك الفترة إلى وقتنا الحالي لمزاياه الوظيفية كالحماية من أشعة الشمس والبرد القارس ليلاً في البيئات الصحراوية وحماية الوجه من الغبار عند وضعه كلثام، وبقي أيضاً لمزاياه الجمالية ليكون علامة مميزة في ثياب العرب.
يحرص أبناء المنطقة على ارتداء الشماغ صيفاً وشتاءً في مناسبات مختلفة لما له من دلالات تستدعي الفخر به، وحتى النساء يحرصن على التمسك به ليجعلن منه شالاً يلتف على أكتافهن وعصبة يشد بها الرأس.
ويُلبس الشماغ لدى قوات البادية وفي الزي العسكري، كما يُلبس في حالات الحزن وعند الاشتراك في الجنازات للتعبير عن الحزن، ويكثر ارتداؤه في الشتاء للحماية من البرد وتفادي الغبار والرياح، وفي جميع المناسبات الوطنية والأعراس وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
ومن المحذرات لدى العرب قول (شماغك وسخ) أو محاولة الكلام بسوء على شماغ أي أحد في المجالس لأن ذلك يعني عدم احترام الشخص والتقليل من مكانته وكأنها وصمة عار أو عيب أو نقص.
تهديب الشماغ:
ويحرص الجميع في المملكة الأردنية الهاشمية على ارتداء الشماغ المهدب لأنه يظهر مدى تفنن بعض النساء فيه، فمنه (الهدب) الثقيل ومنه الخفيف ومنه المجدل وغيره من أنواع الهدب التي تشتهر به نساء البادية الأردنية حصراً، أما في بلدان شبه الجزيرة العربية فعلى عكس الأردن هم يلبسون الشماغ دون هدب، كما تختلف طريقة لبس الشماغ، ومقاس الشماغ من دولة لأخرى.
أما عن بدايات تهديب الشماغ فقد بدأ التهديب رسمياً في الخمسينيات، وتحديداً عام 1956 فترة تعريب الجيش الأردني عندما فرض الملك حسين لبس الشماغ على سلك الهجانة والبادية، فكانوا أمهات الأفراد العسكريين يقومون بتهديب هذا الشماغ بأيديهن لأبنائهن ليبقى فيه شيء من رائحتهن، ويهدبن الشماغ بهدب أعينهن، ليحتضن كل عسكري شماغه ويشتم به رائحة أمه.
ومن الأغاني المشهورة عن تهديب الشماغ من قبل الأمهات:
هدبتلي شماغي الاحمر بيدها وغزلت علم
وقالت يابني خلي راسك فوق عالي بالقمم
شكشكتني ... بالكرامة طرزتني ... بالكرم
أنا أمي أردنية همها تربي زلم
خطوات التهديب:
- أول خطوات تهديب الشماغ هي الغز، وذلك بحياكة خيطان الصوف الناعمة على أطراف الشماغ بواسطة (السنارة) و(المسلة) إبرة الملاحف، ونسج حوافه بالخيوط البارزة، وكانت إبرة التهديب قديماً تسمى (الميبرة). وهذا الغز يمكن أن يكون بثلاثة أشكال تختلف عن بعضها البعض تبعاً للمسافة الباقية بين الخيوط:
1- فهناك الغز الخفيف الذي يتميز بوجود مسافات واضحة بين الخيوط.
2- الغز الوسط تكون فيه المسافة بين الخيوط أقل من تلك المسافة في الغز الخفيف، وهذا هو أكثر أشكال الغز طلباً في السوق.
3- آخر أشكال الغز هو اللز الذي يمتاز بعدم وجود أي فراغات بين الخيوط، ويكون الشماغ فيه أثقل بسبب كثرة الخيوط فيه، فيُلبس من قبل الشباب أكثر من كبار السن ويُعرف هذا الشكل بهدب البادية الشبابي.
- بعد إنهاءها من مرحلة الغز تقوم النساء بتهديب الشماغ عن طريق ربط كل بضعة خيوط ببعضها ومن ثم قصها بواسطة المقص ليعطي منظراً جمالياً (للهدب)، ويكون على ثلاثة أشكال مثل الغز:
1- أولها الهدب الخفيف أو حبة الرزة والذي يتكون من خيطين فقط، ويعقد ويُقص الخيط من العقدة، يشبه هذا الهدب الهدب الموجود في شماغ أميري ناعم الموجود في متجر السندس
2- وحبة العدسة الذي يقابل الهدب الملوكي المميز، ويكون بعدد خيطان أكثر من الهدب الخفيف.
3- والشكل الأخير هو هدب البادية الشبابي الثقيل الذي يمتاز بكثرة الخيوط فيه، وكلما زادت الخيوط المستخدمة في تهديبه زاد مستوى اتقانه، ويُعقد من البداية ويسمى هذا الهدب بالكشة، وهو مطلوب من الشباب أكثر.
- أما آخر خطوات التهديب فهي اللواحات أو الرمايات التي يتم تصميمها على الأطراف الأربعة وتأتي بأشكال متنوعة حسب ذوق العميل، وأما فائدة هذه اللواحات قديماً فقد كان الهجانة يدخلونها بالعقال عندما يركبون الإبل أو يركضوا لتثبيت العقال على رؤوسهم ومنعه من الوقوع.
ومن الحداء البدوي الأردني المتوارث عبر القرون والذي يدل على مكانة الشماغ الأردني وتهديبه:
هدب شماغ الحمر يا سعد يا تاج راسي
هيلك من قبلك زانوا الهدب بالماسي
>
>
>